عنف ليلة الخميس: من التلفزيون إلى الشارع ومن الشارع إلى التلفزيون

كان ليل الخميس، في 5 تشرين الأول 2023، مثالاً حياً لمسارات دورة العنف، التي كانت تُهيأ وتُحضّر منذ أشهر. ففيما كان كبير المضللين/ات مارسيل غانم يحول برنامجه «صار الوقت»، عبر MTV، إلى مضخة تحريض وتضليل ضد السوريين/ات في لبنان، بمعاونة فريق عمله وضيوفه من مسؤولين حكوميين ورجال أمن وخبراء وصحافيين وجمهوره، كانت منطقة الدورة تشهد عنفاً مباشراً لا يهتم بالحيثيات والوقائع ولا بالمتورطين الفعليين، بل يجمع ويشمل ويعمم ليتهم الخطر الأكبر على البلاد: السوريون/ات. 

العنف في الدورة، الذي شهد حصاراً وضرباً وإحراقاً وطرداً، لم ينتقل إلى مناطق أخرى فحسب (وإن كان في الغالب عبر شائعات لا أساس لها)، بل كان يعود إلى غانم وبرنامجه ليزيد الضخ والكراهية والتحريض. كما إلى الفضاء الافتراضي، حيث راح لبنانيون/ات يذكّرون أن الواحد السوري احتلال، يسرق ويقتل ويغتصب وإلى آخره. 

ومن بين هؤلاء، نواب مثل ذاك المعجب بتجربة غولدا مائير في «بناء الأوطان» ملحم رياشي (القوات اللبنانية)، الذي كتب على «إكس»: «ما حدث في الدورة قرب كنيسة مار مارون مرفوض بكل المقاييس، وما قد يحدث بالتالي نذير خطَر. نعم للرهان على القوى الأمنية، لا لاستباحة المتن ولبنان لأي أحد، وبأي شكل من الأشكال!».

الاستباحة التي يتحدث عنها رياشي، تتمثل في أن يُحاصر «المستبيحين» في مبنى لساعات، وسط دعوات لا لطردهم من المبنى نفسه فحسب، لا بل من المنطقة كلها والمناطق المجاورة ومن لبنان. وهذا ما عبّر عنه خير تعبير زميل رياشي في التكتل، النائب رازي الحاج، في تعداده المناطق التي يجب أن يُفتش فيها على السوريين/ات. وهو حسم، مسبقاً وبناءً على خياله العنصري، أن شباناً سوريين «سببوا الإشكال»، داعياً إلى القبض عليهم. أما الطرف الآخر، الذي كانت الفيديوات المتداولة تظهره متجمهراً ويستدعي السلاح، فهو غير موجود ولا مسؤول. 

ومثل رياشي والحاج، لا يحضر السوريون/ات في رأس الصحافية ندى اندراوس (LBC)، إلا باعتبارهم/ان كلاً واحداً، صورة واحدة. وما حصل في الدورة ليس مناسبة لإخراجهم/ن من المبنى المحاصر وحده، بل على الجيش وفقها «إخراجهم من كل منطقة وترحيلهم».

ما حصل أمس ليس خطيراً. لم نكتشف الخطر ليلة الخميس. ما يجري كل يوم، من عنف على أشكاله بما في ذلك التحريض، هو الخطير. ما جرى في الدورة، واحد من النتائج المتوقعة، وربما حتى اللحظة أقلها ضرراً. الأخطر، أن هذه البلاد لا يستبدل فيها شعب بآخر ولا ثقافة بأخرى، كما يزعم المحرضون/ات العنصريون/ات، بل تُستبدل فيها الأخطار. 

حرفياً: نحن منهوبون/ات بمالنا العام كما الخاص، من قبل عصابات بمختلف مستويات عملها وميليشيات حزبية/مذهبية تحكمنا منذ عقود لا حصر لها. نُهدد يومياً بسعر الخبز والممارسات الاحتكارية في مختلف القطاعات. لا قانون ولا عدالة ولا محاسبة. نُهدد بفقدان خدمات بديهية (وهي مفقودة غالباً بالفعل)، مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة. نُهدد بأمننا وسلامتنا في الليل والنهار، من الشارع إلى البيت إلى عرض سينمائي. المسؤولون عن أمننا، للمفارقة، مصدر خطر علينا. حرياتنا العامة والشخصية ليست مسألة بديهية، إنما معركة يومية. وأولاً وأخيراً: السلاح لدى لبنانيين/ات في كل مكان. فما هو الخطر «الوجودي» الذي قد يضيفه سوريون/ات إلينا؟